الفساد على ما في قلوبهم من عيب الكذب والنفرة عنه، ولا فرق بين ما إذا دخلت عليه شبهة أو لم تدخل، لأن الجماعات العظيمة لا يتساوون في ترجيح الشبهة على ما ظهر في عقولهم من استقباح الكذب، كما لا يتساوون في مأكل واحد وسلوك طريق واحد.
وأما الرغبة واعتقاد المنفعة- فقد يكون رجاء عوض عن الكذب أو غير ذلك، ولا يشترك الخلق العظيم في إيثار هذا الداعي على تجنب الكذب، لأنهم لا يتساوون في الافتقار إلى ما وقعت الرغبة فإن كثيراً منهم لا يحتاجون، وكثيراً منهم يحتاجون ولا يؤثرون، وكثيراً منهم يحتاجون ويؤثرون، فلا يتصور اشتراكهم في إيثار هذا الداعي على الصدق.
وأما الرهبة- فإنها لا تجمع العظيم على الكذب لوجوه: أحدها- أنهم مع كثرتهم لا يجتمعون على إيثار الكذب على ذلك. وثانيها- أن الرهبة لا تمنحهم عن التحدث بحقيقة الأمر بين الأصدقاء والخاصة، فلا يلبث القول أن يشيع ويظهر. وثالثها- أن الجمع العظيم لا يحيط بهم أخذ السلطان، فلا يتصور أن يصير كل واحد منهم مضطراً إلى الكذب، ورابعها- أن السلطان لو دعاهم إلى الكذب بالرهبة لظهرت الرمية. وحيث لم تظهر علمنا أنه لا رهبة، إلا أن هذا الوجه ضعيف، لأنه لا يمتنع أنه كما دعاهم إلى الكذب بالرهبة، دعاهم إلى كتمان الرهبة بالرهبة. وكذلك لا يتصور اشتراكهم في الكذب وفي قوة الداعي وإيثاره على الصدق.