فثبت بما ذكرنا أنه لا يشترط في وقوع العلم بالتواتر، أن يكون المخبرون كلهم مؤمنين أو بعضهم مؤمنين، لأن خبر المخبرين إنما يوجب العلم، لأنه لا داعي لهم إلى الكذب، ولا لبس فيما أخبروا عنه، ومجموع هذين الشرطين يمكن حصوله في الكفار، ولأن أهل بلاد الكفر يعرفون بتواتر أهل مقالاتهم في طلبهم، ويعرفون أحوال البلدان كما نعرفه نحن، فلا معنى لاشتراط الإيمان.
فإن قيل: يلزم هذا صدق النصارى في نقل التثليث عن عيسى عليه السلام وصدقهم في قتله- قلنا: أما الثليث فلم ينقلوه عن عيسى عليه السلام بنص صريح لا يحتمل التأويل، لكنهم توهموا ذلك بألفاظ موهمة اتفقوا عل معناها، كما فهم المشبهة من آيات وأخبار لم يفهموا معناها، والتواتر ينبغي أن يصدر عن محسوس، كما ذكرنا. وأما قتل عيسى عليه السلام، كما قال الله تعالى:{وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}.
فإن قيل: لا يجوز التشبيه في المحسوس، ولو جوزنا ذلك لشك كل واحد منا في زوجة وولده إذا رآهما، فلعله شبه لهم- قلنا: يجوز ذلك في زمان خرق العادة، وهو زمان النبوة، لإثبات صدق النبي عليه السلام، وذلك لا يورث الشك في غير ذلك الزمان، إذ لا خلاف في قدرة الله تعالى على قلب العصا حية،