يثبت عند الشهادة بدليل قاطع، فكذلك في باب الخبر: الحكم يثبت عنده بدليل قاطع. وتسمية الخبر دليلا أو شرطا كلام في العبارة.
وقوله: إنكم جعلتم دليلا لا شرطا- قلنا: لا فرق، فإنه كما لا بد في وجوب العمل بالشهادة من دليل قاطع، لابد في وجوب العمل بالخبر من دليل قاطع. ولا يضرنا لو امتنعنا من تسمية الخبر دليلا إذا كان الغرض ما ذكرنا، وهو توقف الحكم على الظن.
فإن قيل: الفرق بين الشهادة والخبر أنه: ليس في الشهادة على زيد بأنه قتل أو سرق إثبات ابتداء، فإن شرع القتل كان متقدما على ذلك. أما في تعليق الحكم بخبر الواحد، [ف] إثبات شرع ابتداء- قلنا: لا فرق، فإنا نعلم أن نقتل المشهود عليه شرع بالشهادة. والدليل على ذلك هو ما دل على وجوب العمل بالشهادات. كما نعلم ثبوت التعبد بخبر الواحد. والدليل على ذلك هو ما دل على وجوب العمل بأخبار الآحاد، فلا فرق بينهما في توقف ثبوت الحكم على الظن.
وأما المخالف- فقد احتج في المسألة بأشياء:
١ - منها- أن الأفعال الشرعية كلها مصالح، ولا يمتنع أن يكذب الواحد فيما يخبر عنه من فعل أو قول. وإذا لم يمتنع ذلك لا نأمن أن يكون ما تضمنه الخبر مفسدة. وإذا لم نأمن ذلك، لا يجوز ورود التعبد به، لأن التعبد بما لا نأمن من كونه مفسدة قبيح. وليس لكم أن تقولوا: إن قيام الدلالة على وجوب العمل بأخبار الآحاد دلالة على صدق الراوي، لأن على هذا يلزمكم أن تقطعوا بصدقه، ولا تجوزوا كذبه. ويلزمكم أن تجوزوا قيام الدلالة على وجوب العمل بكل ما يريده الإنسان. فإن قلتم: ليس يجب أن يتفق الصواب في كل ما يريده الإنسان- فنقول: ليس يجب أن يتفق الصواب في كل ما يظن فيه صدق المخبر من فعل أو ترك.