للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدنيوية معلوم بالعقل والشرع. ثم إن كان التحرز عن المضار الدنيوية معلوما بالعقل فقط، فالتحرز عن المضار الشرعية معلوم بالشرع فقط- فهذا الاختلاف راجع إلى طريق العلم بوجوب التحرز، فلا يقدح في الاستدلال، لأن الجملة إذا صارت معلومة بأي طريق كان، فيما يظن تفصيلا للجملة، كان داخلا في الجملة.

وأما الثاني- قلنا: لو كان في المسألة نص أو خبر متواتر أو إجماع يخالف قضية خبر الواحد، لا يجوز العدول عنها إلى مقتضى خبر الواحد، وإنما مسألتنا في خبر لا يخالف شيئا من ذلك. وأما البقاء على حكم العقل فممكن في العقليات والشرعيات جميعا، فإنا نعلم بعقولنا التحرز عن إيلام النفس بالافتصاد وشرب الأدوية الكريهة والسلوك في الطريق، فإذا أخبرنا واحد أن في ترك هذه الأشياء مضرة، وغلب على ظننا صدقه- لا يجوز البقاء على حكم العقل، فثبت أن البقاء على حكم العقل مما يجوز تركه إذا غلب على ظننا صدق المخبر به.

وأما الثالث- قلنا: كما أن المصالح هي المعتبرة في الشرعيات، فكذلك المنافع والمضار هما المعتبران في العقليات، لأنا إنما نقصد بما نفعله في العقليات تحصيل المنافع والخلاص عن المضار، كما نقصد في الشرعيات تحصيل المصالح.

فلما جاز أن يقام الظن مقام العلم في المضار العقلية مع تجويز الكذب في الخبر، جاز ذلك في المصالح الشرعية.

وقوله: إن ورود التعبد يدل على المصلحة- قلنا: لما جاز ذلك، مع تجويز الكذب في الخبر، لم يكن كذب المخبر دليلا على أن مصلحتنا غير ذلك، فلا يجوز التعويل عليه، لمنع قبول خبر الواحد. فإن قال: إن المخبر به إن جاز كونه مصلحة، لكن لا نعرف ذلك إلا بتعبد شرعي.

<<  <   >  >>