أحدهما- أن نسخ الكتاب بخبر الواحد جائز عقلا، وقد كان يجوز ذلك في الصدر الأول، [و] لولا منع الصحابة من ذلك، لكنا نجوزه.
والثاني- يحتمل أن النبي عليه السلام أخبرهم بأنه سينسخ التوجه إلى بيت المقدس وأنه يبعث إليهم فلانا ويعلمهم بصدقه، فكانوا قاطعين على صدقه.
وكان نسخا لحكم معلوم بدليل معلوم.
وأما الجواب عن الوجه الثاني- قلنا: الصحابة رضي الله عنهم كانوا بين عامل بأخبار الآحاد وبين ساكت عن التنكير على عامليها، فدل سكوتهم على كذبهم، [على كونهم] راضين بالعمل بها.
فإن قيل: لعل الساكت ناظر ومتوقف، فلا يثبت الرضا بذلك- قلنا: لو لم يكن ثمة دليل على كون الخبر الواحد حجة لكان العمل به منكرا، ومن لا يترك قيام الدلالة عليه، فالعمل به منكر عنده، وترك النكير عليه حرام، فلا يجوز أن يتفق الصحابة بأجمعهم على ذلك. وحيث اتفقوا على ترك النكير، دل أن العمل بخبر الواحد غير منكر.
دليل آخر- ما تواتر به النقل من إنفاذ النبي عليه السلام سعاته ونوابه إلى المدن والقبائل لتعليم الشرائع وأخذ الزكوات، كإنفاذه معاذا إلى اليمن ليبين لهم ما يحتاجون إليه من أمور دينهم وأخذ زكواتهم وأوجب عليهم الرجوع إلى روايته. وإنقاذه عليا رضي الله عنه إلى البحرين. وإنفاذه عتاب بن أسيد إلى مكة.