وإن عنوا به أن عموم الكتاب معلوم أن الله تعالى قد تكلم به، وخبر الواحد مظنون أن النبي عليه السلام قد تكلم به- فهذا مسلم، ولكن ذلك لا يمنع تخصيص الكتاب به- لما مر.
فإن قيل: متى لم يعلم أن النبي عليه السلام قال ذلك، بل ظنناه-[ف] لا يجوز أن يعلم وجوب العمل به- قلنا: هذا يقتضى أن لا يعلم وجوب العمل به، بأن لم يعارضه عموم الكتاب.
على أنا نقول: إن الطريق إلى العلم بوجوب العمل به إجماع الصحابة، وشرطه ليس كونه كلام النبي عليه السلام مطلقاً، بل ظننا بكونه كلام النبي عليه السلام، وقد حصل الأمران هنا، فيجب العمل به قطعاً، كما يجب العمل بعموم الكتاب قطعاً، فتعارضا- إلا أنا رجحنا الخبر على عموم الكتاب، لأنه أخص.
وأما من جوز ذلك إذا لحقه التخصيص:
قال: إنه لما دخله التخصيص، صار مجازاً أو مجملاً، فلم يكن في قبول خبر الواحد عدولاً عن ظاهر الكتاب، ولا كذلك إذا لم يدخله التخصيص.
والجواب:
العام الذي خص معلوم صدوره من الحكيم، وتناوله لما تناوله التخصيص، كالذي لم يخص أصلاً، فإجماع الصحابة رضي الله عنهم على جواز تخصيص العموم الذي دخله الخصوص إجماع منهم على جواز تخصيص عموم لم يدخله الخصوص.
وقوله: صار مجازاً أو مجملاً- قلنا: ليس كذلك لما مر في أبواب العموم: في العام إذا خص منه شيء، وتحقيقه: أن لفظة العموم موضوعة للاستغراق، وهذا أمر معلوم. ونعلم أن اللفظ إذا صدر من الحكيم يريد به ما وضع له، إلا بقرينة التخصيص.