فإن قيل: إنما خصوا هذه الآيات بدليل آخر، لا لأجل هذه الأخبار: دل عليه أن عمر رضي الله عنه رد خبر فاطمة بنت قيس في أمر النفقة والسكنى ولم يجوز نسخ الكتاب به حيث قال: "لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بحديث امرأة"- قلنا: المروى في التخصيص هذه الأخبار لا دليل آخر، فلا يجوز أ، لا يرووا ما خصرا بها ويرووا ما لم يخصوا بها. وأما رد عمر رضي الله عنه حديث فاطمة بنت قيس فلكونه ناسخاً لكتاب الله تعالى لا لكونه مخصصاً، لأن ظاهر قوله:"لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا" يفيد ترك الكتاب أصلاً، لأن من خص آية من القرآن لا يقال إنه ترك القرآن أصلاً، ولا كلام فيه، إنما الكلام في التخصيص.
فإن قيل: هلا قبلوه في حقها خاصة، فأخرجوها عن حكم الآية، دول غيرها، حتى يكون تخصيصاً لا نسخاً؟ قلنا: إنها روت الحديث ليعمل به في حق غيرها، لا في حق نفسها، لأن حكمها قد تقضي، وإنما ردوه في حق غيرها.
وأما المانعون من ذلك فقد احتجوا وقالوا: إن عموم الكتاب يقتضي العلم بشموله، وخبر الواحد يقتضى الظن بصحته، ولا يجوز ترك العلوم بالظن.
والجواب ما ذكرنا أنه: إن عموم الكتاب معلوم شمول حكمه، وخبر الواحد مظنون ثبوت حكمه، فهذا ممنوع بل خبر الواحد معلوم ثبوت حكمه، لما مر من الإجماع عليه.