انقراض عصر المجتهدين لا يقف عليه إطلاق اسم الإجماع على فتواهم، لأن أهل اللغة والعرف يقولون: هؤلاء أجمعوا على هذا الحكم، ولا يقف عليه تحقق معنى الإجماع، لأنه مأخوذ من الاجتماع أو العزم والإبرام- على ما مر. وهو حاصل قبل انقراض العصر. وإذا لم يقف عليه، تحقق ذات الإجماع- لا يقف عليه كونه حجة، لأن دلائل الإجماع تناولته مطلقاً- على ما مر.
فإن قيل: ماداموا في الأحياء، فرجوعهم متوقع، وفتواهم غير مستقر [ة]، فلا يتم الإجماع- قلنا: الكلام في رجوعهم، فنحن لا نجوز رجوع جميعهم، لأنه يؤدي إلى خطأ أحد الإجماعين، ودلائل الإجماع تمنع منه، ورجوع البعض متصور، وهو حرام، ومخالفة للحجة- على ما مر.
فإن قيل: دلائل الإجماع تناولت سبيل كل المؤمنين وكل الأمة، لا أهل عصر واحد- قلنا: وبانقراض هذا العصر لا يصير هؤلاء كل الأمة وجميع المؤمنين، ومع هذا يكون حجة. على أن المراد منه جميع المؤمنين وكل الأمة في كل عصر لا في جميع الأعصار- على ما مر في الأبواب المتقدمة.
وقد استدل بوجه آخر- وهو: اشتراط انقراض العصر في كون الإجماع حجة، يخرج الإجماع من أن يكون حجة أصلاً، لأنا نعلم أن عصر الصحابة رضي الله عنهم لا ينقرض إلا وقد وجد من التابعين من هو أهل الاجتهاد، فتجوز مخالفتهم، لأنه لو لم ينقرض عصرهم، لم يعلم أن عصر التابعين لا ينقرض إلا وقد وجد من تابعهم ممن هو من أهل الاجتهاد، فكذا إلى يوم القيامة، فلا يكون الإجماع حجة أصلاً.
إلا أن لقائل أن يقول: إنا نشترط انقراض عصر من كان مجتهداً وقت حدوث الحادثة، فلا يؤدي إلى ما ذكرتم.