ومثال الثاني- اختلاف العلماء في فساد الصوم بالأكل ناسياً وبالجماع ناسياً: قال بعضهم بالفساد فيهما. وقال بعضهم بمنع الفساد فيهما. فمن قال أن الأكل ناسياً لا يوجب فساد الصوم، والجماع ناسياً يوجب، فقد أحدث قولاً ثالثاً.
أما الأول [في مسألة واحدة]
فلا يجوز إحداث القول الثالث فيه، لأنه أتباع غير سبيل المؤمنين. وإتباع غير سبيل المؤمنين ممنوع عنه لما مر. ووجه آخر- أن اختلافهم على هذه الأقاويل إجماع منهم على المنع من قول ثالث، لأن كل طائفة توجل الأخذ بقولهـ[لـ]، وتمنع الأخذ بغيره. فقد أجمعوا على المنع من القول الثالث. وقد قال عليه السلام:"لاتجتمع أمتي على الخطأ".
فإن قيل: إن المختلفين في المسألة [منعوا] من الأخذ بغير ما قالوه، لأنه لو يؤد اجتهاد غيرهم إليه. فإذا أدى اجتهاد غيرهم إليه، زال المنع، كما قلتم: إنهم سوغوا الأخذ بكل واحد من القولين، بشرط أن تكون المسألة اجتهادية، فإذا أجمعوا على أحدهما زال الشرط- قلنا: كما منعوا من القول الثالث، أجمعوا أن القول الثالث مما لا يقتضيه الاجتهاد أولاً، ولكن لما منعوا الأخذ به، فالأخذ به مخالف للإجماع.
والمخالف استدل في المسألة بأشياء:
١ - منها- أن الممنوع عنه مخالفة الإجماع، ولا إجماع مع الاختلاف. دل عليه: ما روى عن ابن سيرين أنه قال في امرأة وأبوين: للأم ثلث جميع المال،