وأما الثاني- قلنا: إنما يحرم إحداث قول ثالث، لأنه مخالفة الإجماع، لا كما ذكر.
وأما الثالث- قلنا: هذا مصير إلى ما حرمه جميع الأمة، على ما مر. وما ذكر من البيان ضرب تلبيس، لأن كل فريق لا يجوز ترك قول صاحبه ابتداء، بل يوجب الأخذ بقول نفسه، فيتضمن ذلك ترك قول صاحبه. فأما إحداث قول ثالث، [فـ] ترك الأخذ بقوله وقول صاحبه، وقد أجمعوا على المنع منه.
وأما الثاني [في مسألتين]:
وهو إحداث قول ثالث في مسألتين، فبعض الناس جوزوا ذلك مطلقاً. وبعضهم منعوه مطلقاً. ونحن نفصل فنقول:
بعض أهل العصر إذا قالوا بتحليل شيئين، وبعضهم قالوا بتحريمهما- لا يخلو: إما إن علم أنهم قصدوا التسوية بينهما، وأثبتوها بعلة واحدة، إما بالتنصيص أو بما يجري مجرى التنصيص، أو لم يعلم ذلك- مثال الأول: الحكم في المسكر التمري والزبيبي: حرمهما بعض، وأحلهما بعض، فلا يجوز لغيرهم أن يحرم أحدهما ويحلل الآخر. وهذا لأن الفريقين أجمعوا على الجمع بين المسألتين في الحكم وعلة الحكم- فالتفريق بينهما خلاف الإجماع. ومثال الثاني- الحكم بإرث القاتل والعبد: لو حكم بعض بإرث القاتل والعبد جميعاً، وبعضهم منعوا من إرثهما، فلو حكم غيرهما بإرث أحدهما دون الآخر، كان جائزاً، لأنهم ما أجمعوا على التسوية في الحكم وفي العلة، إذ لا تعلق لأحدهما بالآخر، بل اتفق الحكم فيهما، لأن الدليل اتفق على هذا الوجه. ولهذا كما لو أوجب بعض الأمة النية في الوضوء، وأوجب غسل النجاسة عن الثوب- لا يقال: إنهم اعتقدوا التسوية بينهما.