وأما الثاني- قلنا: طلب الحكم من الكتاب والسنة لا يقال فيه: إنه اجتهاد للرأي. ولأن علق ذلك بنفي وجدان الكتاب والسنة، وذلك لا يكون إلا بعد الطلب.
فإن قيل: أتقطعون بصحة خبر معاذ رضي الله عنه، أو لا تقطعون به وتنزلونه منزلة أخبار الآحاد؟
فإن قلتم بالأول- فهو غير ثابت. واحتجاج بعض العلماء به وتأويل بعضهم، لا يدل على صحته قطعاً، لأن من تأول فإنما تأول لأنه لم يعرف وجه البطلان. والمخالف إذا أمكنه تأويل الخبر [و] لا يعرف وجهة للبطلان، يجب تأويله ولا يجب رده، فلا يدل ذلك على صحة الحديث عند الكل.
وإن قلتم بالثاني- نقول: كيف تستدلون بخبر الواحد على صحة القياس قطعاً، وهو غير مقطوع به؟ - قلنا: لا نقطع على صحة خبر معاذ. ومع هذا يجوز إثبات صحة القياس به، لأن القياس من باب العمل، وخبر الواحد مقبول في باب العمل. ونقطع بوجوبه، لأجل الدليل الدال على وجوب العمل بأخبار الآحاد. كما نقطع به على وجوب العمل بأخبار الآحاد لما تتضمنه الأخبار من فروع الشريعة. ولا فرق بين أن يظن أن النبي عليه السلام أمرنا باستعمال ما يفضى إلى وجوب النية في الوضوء وبين أن كل واحد منهما واجب- ألا ترى أنه لا فرق بين أن يخبرنا إنسان بوجود سبع أو لص في الطريق في وجوب تجنبه علينا إذا ظننا صدقه، وبين أن يأمرنا من ظاهره النصح والسداد بسؤال رجل، ويقول هو أعرف بحال الطريق في أنه يجب علينا سؤاله إذا خفنا الطريق، وإذا أخبرنا بشيء وظننا صدقه، يجب العمل به- كذا [هذا].