ومخالفة الأمر هو الإقدام على ما منع من الآمر، فدلَّ أن ترك الفعل المأمور به ممنوع بقضية الأمر، وصار كأن الآمر قال:"افعل هذا الفعل وأنت ممنوع عن الإخلال به وملوم عليه" وهذا هو المعنى بالوجوب.
فإن قيل: أليس أن المستشير إذا ترك ما أشير إليه في الأمر يوصف بالعصيان، فإن المشير يقول:"أشرتك على كذا فعصيتني" ثم لا يدلُّ ذلك على الوجوب- قلنا: نحن ندعي في هذه الصيغة أنها طلب للفعل ومنع عن الإخلال به، فأينما وجدت أفادت فائدتها إلا أن يمنع من ذلك مانع. وأما المستشير فقد وجد الطلب والمنع في حقه، فإن المشير إذا قال:"افعل كيت وكيت من الرأي الجزم" فقد طلب منه الفعل ومنعه عن الإخلال به، فإذا عدل عنه المستشير يوصف بالعصيان، حتى لو رخصه في الترك بان قال:"الرأي هذا والأولى أن تفعله وإن لم تفعله فلا بأس به" لا يصير عاصيًا بتركه، وصار بمنزلة صريح الإيجاب، ثم صريح الإيجاب يفيد الوجوب إذا صدر ممن هو أهل الإيجاب، ولا يفيده إذا صدر ممن ليس بأهل الإيجاب على المأمور- فكذا هذا.
دليل آخر- العرف. وهو أن السيد إذا قال لعبده "افعل" فلم يفعل، لامه العقلاء من أهل اللغة، واستحسنوا لومه من المولى وعقابه- فلولا أنهم عقلوا منه الإيجاب، لما استحسنوا لومه وعقابه.