للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قيل: إنهم ما عقلوا الإيجاب من نفس الصيغة، بل من دلالة الحال. وبيانه: أنهم علموا باضطراد من حال السيد أنه لا يأمر عبده إلا بما يحتاج إليه في جلب منفعة أو دفع مضرة، وذلك يقتضي أنه كاره من العبد تركه، حتى إنه لو أمره بشيء يعود نفعه إلى العبد خاصة- نقول: لا يجب عليه ذلك- قلنا: العقلاء كما استحسنوا ذمة، بينوا العلة فيه، فقالوا: السيد قال له: "افعل" فلم يفعل، ولم يسألوا المولى "هل قرنت أمرك بدليل يقتضي الإيجاب؟ " فعرفنا أن علة استحقاق الذم مخالفة أمره لا ما ذكرتم، على أن كون السيد منتفعًا بشيء لا يدل على أنه كره من العبد تركه، لجواز أن يكون قد كره من العبد تركه، وإنما يعرف كونه كارهًا من العبد تركه إذا دلَّ السيد على ذلك، والأمر عندكم لا يدل على الوجوب ولا على كراهة ترك المأمور به، فكيف يعرف كونه كارهًا الترك من العبد خاصة؟ .

قوله: بأن السيد لو أمره بشيء يعود نفعه إليه خاصة، لا يجب عليه- قلنا: ليس كذلك، بل يجب على العبد امتثال أمر السيد، سواء أمره بشيء يعود نفعه إليه أو إلى السيد، على أن يعود من النفع إلى العبد فهو عائد إلى المولى، لن العبد ملكه، فما يعود إلى العبد بصلاح كان عائدًا إلى المولى بصلاح ملكه.

فإن قيل: هذا تكلم في غير محل النزاع، لأن النزاع في أن الأمر في اللغة هل وضع للإيجاب؟ وهذا رجوع إلى العرف لا إلى أصل اللغة- قلنا: إذا ثبت أن العرف هذا، [فقد] ثبت أن الوضع في الأصل على هذا، لما مرَّ في الأبواب المتقدمة: أن العرف يكون على وفاق الوضع إلا بدليل معارض، على أن الكلام هنا في تعيين ما يحمل عليه بصيغة الأمر، لا في الجهة، وقد ثبت ذلك بما ذكرناه.

وقد استدل على أن أوامر الله تعالى وأوامر الرسول عليه السلام على الوجوب بأدلة سمعية: منها- قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ

<<  <   >  >>