ونحن نقول: القياس اعتبار الشيء بغيره. فإذا كان في الفرع نص، فالقائس إما أن يثبت ذلك الحكم أو خلافه:
الأول- لا يجوز، لأنه ثابت. قبله بدليل فوقه، فكيف يتصور إثباته بدليل هو دونه.
ولا وجه إلى الثاني- لأن مخالفة النص بالقياس، لا يجوز- دل عليه حديث معاذ وغيره من الأحاديث التي فيها توقيف الاجتهاد على عدم النص بقوله:"فإن لم تجد كتاباً ولا سنة"- لم يجز الاجتهاد إلا عند عدم النص.
(ب) - والموضع الثاني- أنه يجوز تعليل حكم الأصل، لا للتعدية، بل على وجه يقتصر الحكم عليه.
وعندنا: لا يجوز المقايسة إلا للتعدية بحكم التعليل، [و] الأصل عندنا تعدية الحكم إلى الفرع عند تعلق الحكم بتلك العلة في الأصل، والتعدية من ثمراته.
ومنهم من فرق بين العلة المنصوصة والعلة المستنبطة، فجوز كون العلة المنصوصة موقوفة، وأوجب كون المستنبطة متعدية.
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه ما ذكرنا أن المقايسة والاعتبار لا يتحقق إلا بإثبات حكم الشيء في غيره، فإذا لم يتعد حكم الأصل إلى غيره لا يكون مقايسة. ولأن حكم المقايسة والاجتهاد إما أن يكون وجوب العلم أو وجوب العمل. والتعليل بالرأي لا يوجب العلم، وكان حكمه وجوب العمل. فإذا لم يتعد، لا يثبت له حكم أصلاً، لا فيما تناوله النص، لأن ثابت بدليل فوقه، ولا في غير ما تناوله النص، لأنه لم يتعد.