فمخالفته: أن لا يفعل ضرورة. وأما الثاني- قلنا:"عن" هنا صلة في الكلام، كما في قوله تعالى:{يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ} أي ذنوبكم، وتقديره: فليحذر الذين يخالفون أمره- هذا هو المنقول عن أئمة التفسير.
ومنها- قوله تعالى:{وإذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ}: ذمَّهم على ترك الركوع إذا قيل لهم اركعوا، فلولا أن مطلق الأمر يقتضي الوجوب لما ذمَّهم عليه.
ومنها- قوله تعالى لإبليس:{مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ} هذا استفهام خرج مخرج الذمِّ والتوبيخ، فالله تعالى ذمه على ترك السجود المأمور به، فلولا أنه يفيد الوجوب لما ذمَّه عليه. وكان لإبليس أن يقول:"الذي سوغني ترك السجود هو أنك ما ألزمتنيه بل رخصتني في الترك" لأن الأمر إذا لم يحمل على الوجوب كان فيه ترخيص الترك.
وقد استُدل على أن الأمر يقتضي الوجوب بوجه آخر، وهو أن الأمر متعدٍ: لازمُه "ائتمر" يقال: "أمرتُه فائتمر" كما يقال: "كسرتُه فانكسر" فهذا يقتضي أن يكون الائتمار ملازمًا للأمر قطعًا، كالانكسار والكسر- هذا هو قضية اللغة، إلا أنه يتعذر جعله ملازمًا له قطعًا، لتعلقه باختيار الفاعل، فوجب الحمل على الوجوب، لأنه يجعل الائتمار ملازمًا للأمر عادة، قضاء لحق اللفظ بقدر الممكن.
إلا أن هذا الوجه غير صحيح، والاعتراض عليه:
أن يقال: لا نسلم أن الائتمار الذي هو فعل المأمور به ملازم للأمر.