قوله:"الأمر متعدٍ- يقال: أمرته فائتمر"- قلنا: ما معنى قوله: "ائتمر"؟ معنى ذلك أنه صار مأمورًا، كما في قوله:"كسرته فانكسر" أي صار مكسورًا. أو معناه: أنه امتثل المأمور به وفعله. [فـ] إن كان الأول: فمسلَّم، وذا لا يتوقف على الوجوب وعلى شيء ما سوى الأمر. وإن كان الثاني:[فـ] ممنوع أنه ملازم للأمر، وإنما يقال ذلك إذا امتثل الأمر. فأما إذا أخلَّ به فلا، بل يقال:"أمرته فما ائتمر" فكيف يكون ملازمًا له؟ وإذا لم يكن الامتثال والائتمار ملازمًا للمر، لم يجب ما قلتموه من الوجوب.
ومن وجه آخر، نقول: أهل اللغة يقولون: "أمرته فائتمر" قبل وجود الفعل المأمور به أو بعده؟ : إن قال: "قبله"- فممنوع، وإن قال ذلك كان كذبًا وباطلًا. وإن قال "بعده"-[فـ] مسلم، ولكن وجوب الفعل يكون قبل وجوده لا بعده.
فإن قال: التعلق بهذا الاستعمال من وجه آخر، وهو أن الفعل المأمور به إذا وُجد فأهل اللغة يسمونه "ائتمارًا" ويقال: "أمر فائتمر". وهذا إنما يستعمل في ملازم الفعل كقولهم:"كسره فانكسر". وإذا كان وجود المأمور به على وجه اللزوم له، [فـ] لا بد أن يتحقق فيه كونه ملازمًا للأمر، وذلك يحمل على الوجوب على ما مر- قلنا:
أولًا- هذا باطل بالندب، فإنه يقال "ندبه إلى كذا فانتدب بندبه" أي "فعل ما ندبه إليه"، وهو جار مجرى الملازمة كالكسر مع الانكسار. ثم هذا لا يقتضي كون الندب إيجابًا والمندوب إليه واجبًا.
والثاني- أن هذا الاستعمال، إذا كان بعد وجود الفعل، يعتقد أن الأمر