والثاني- إن لم يخل زمان عن شرع، لكن إباحة ما أبيح من هذه الأشياء وحظر ما حظر- استفيد بالشرع وحده، أو به وبالعقل؟
ثم إنما اختلفوا فيما ليس يعلم قبحه بالعقل قطعاً، ضرورة أو استدلالاً، كالظلم والكذب والكفر والجهل. ولا حسنه ووجوبه، كالعلم بالله تعالى وشكر المنعم والصدق وغير ذلك. وهى كالانتفاع بالمآكل والمشارب ونحو ذلك.
(أ) - والدليل على أن الانتفاع بهذه الأشياء مباح في العقل: أن الانتفاع به منفعة ومصلحة في حق المكلف، ولا يعلم فيه شيء من وجه القبح. أعنى ما يعلم قبحه قطعاً. وكل ما هذا سبيله، فالعقل يقضى بحسنه وإباحته. أما كونه نفعاً ومصلحة، فلا شبهة فيه. وأما عراؤه عما ذكرنا من وجوه القبح، فلأنا لا نعلم قطعاً أن فيها وجه قبح، كما في الكفر والكذب والجهل.
وإذا ثبت هذا- فكل فعل فيه مصلحة المكلف قطعاً ولا يعلم فيه مفسدة قطعاً، فالعقلاء يستحسنونه ويلومون على المنع منه، كما في الشاهد: إذا منع المولى عبده عن شيء ينفعه ولا يضر المولى ولا أحداً غيره.
فإن قيل، وهو شبهة القائلين بالحظر: لا نسلم أنا لا نعلم فيه وجه قبح، بل إنا نعلم ذلك فيه، وهو:
[الأول]- أنه تصرف في ملك الغير، لأن هذه المخلوقات كلها ملك الله تعالى، وكون الفعل تصرفاً في ملك الغير جهة قبح، كما في الشاهد.
والثاني- إن لم يكن هذا جهة القبح والمفسدة، لكن جواز كونه ضرراً