فإن قال بأن الاختيار إنما يؤثر في جعل الفعل مصلحة وواجبًا إذا صادف هذه الأشياء الثلاثة، وإذا كفر بغيرها لم يصادف الاختيارُ هذه الأشياء الثلاثة، ولا يؤثر في جعله مصلحة وواجبًا- قلنا: بهذا السؤال سلمتم أن هذه الأشياء الثلاثة اختصت بجهة فَاوَقَت بها ما ليس منها، وهي الجهة التي لأجلها يصير الفعل مصلحة وواجبًا، فقد سلمتم ما نريده من أن كل واحد يسد مسد صاحبها في مصلحة الوجوب. فبعد ذلك يبقى ما قلتموه: أن لاختيار العبد تأثيرًا في جعل الفعل مصلحة، وهذا باطل، لن المكفر بهذه الأشياء عالم بها، والعالم بالفعل لا بد أن يقصد الفعل ويريده. وما لا بد للفعل منه، لا يجوز أن يجعل مؤثرًا في حكم من أحكام الفعل أو شرطًا فيه، إذ لو لم يكن ذلك، لجاز أن يجعل اختيار فعل كل واجب مؤثرًا وشرطًا لصحة وجوبه، وذلك باطل.
وأما الجواب عن كلمات المخالفين:
أما الأول- قلنا: الكل واجب عندنا على البدل، ونعني بذلك أن كل واحد منها سادٌّ مسد الآخر في حصول المصلحة التي يجب استيفاؤها. فإذا فعل واحد منها، فقد حصلت المصلحة مستوفاة، فلم يبق شيء تكون الثانية مصلحة فيه، فتسقط ضرورة.
وأما الثاني- قوله لو فعل جميعها لكان الكل واجبًا- قلنا: إن عنيتم بهذا الكلام أن المكلف يلزمه تحصيلها بعد ما صارت مفعولة- فهذا محال.