للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطرق وكثرت، فلا تعني كثرتها في التحقيق شيئاً؛ لجواز التواطؤ من قبل الكذابين والمتهمين على تنويع الأسانيد للحديث الواحد، فربما نتج تعدد الطرق عن رواية رجل من الضعفاء، عرف بذلك الحديث، فسرقه المتهمون وتداولوه بينهم، يسرقه بعضهم من بعض.

وجائز أن يكون الضعيف الذي ترجع إليه جميع الطرق ممن يعتبر به، ولكن ليس في تلك الطرق ما يشده؛ لوهائها.

وهذا لا يتقى إلا بتمييز ما كان يصلح للاعتبار بحسب رواته من جهة حفظهم وأنهم لم يبلغوا الترك، والسلامة من العلة القادحة في الإسناد أو المتن.

وأمثلة ما لا تعتد به من تعدد الطرق كثيرة.

مثل حديث: " من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر ديناه، بعثه الله يوم القيامة فقيهاً "، فهذا روي من حديث ثلاثة عشر رجلاً من الصحابة، بأسانيد كثيرة كلها واهية ساقطة (١).

وحديث " زر غبا تزدد حبا "، روي من حديث أبي هريرة وأبي ذر وحبيب بن سلمة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وعائشة أم المؤمنين، وكلها واهية الأسانيد، وما كان فيه بعض النفس فإنه يفتقر إلى ما يشده.

وقال الزيلعي في شأن أحاديث الجهر بالبسملة في الصلاة: " وأحاديث الجهر وإن كثرت رواتها، لكنها كلها ضعيفه، وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه، وهو حديث ضعيف، كحديث الطير (٢)، وحديث الحاجم


(١) شَرحت علله في جزء " التبيين لطُرق حديث الأربعين ".
(٢) هوَ ما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بطيْرٍ، فقال: " اللهم ائْتني بأحبِّ خلْقك إليْك يأكل معي من هذا الطير "، فجاء عليٌّ، فأكل معه. الحديث. انظر طُرقه في " العلل المتناهية " لابن الجوزي (١/ ٢٢٥ _ ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>