للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن إن كان الراوي قد ثبت أنه يحفظ حديثه ويميزه، فحدث بشيء من تلك الأحاديث المحفوظة له من كتب غيره، فلا يقدح فيه ذلك.

قال الحافظ عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني، وذكر أبا موسى محمد بن المثنى، وبنداراً محمد بن بشار، فقال: " ثقتان، وأبو موسى أحج؛ لأنه كان لا يقرأ إلا من كتابه، وبندار يقرأ من كل كتاب ".

فعلق على ذلك الخطيب البغدادي بقوله: " بندار وإن كان يقرأ من كل كتاب، كان يحفظ حديثه " (١).

قلت: ومنه قول يحيى بن معين في (عبد الله بن مسلمة القعنبي): " ثقة مأمون، لا يسأل عنه، لو ضاع كتابه ثم أخذه ممن سمع معه في المثل كان جائزاً، هو رجل صدق " (٢).

[السبب الرابع: البدعة]

هذا من أكثر ما وقع فيه الطعن على الرواة في غير ما يعود إلى الضبط، وما سلم منه طوائف من الثقات الحفاظ من الناس، بل تكلم فيهم لأجله.

والمعني به: البدع العقدية، لا البدع الإضافية في أبواب الفروع.

وأصول البدع تعود جملتها إلى: بدعة الخوارج، والقدرية، والرافضة، والناصبة، والمرجئة، والجهمية، والواقفة (٣).


(١) تاريخ بغداد (٢/ ١٠٤)، والرواية عن ابنِ سيار صحيحة الإسناد.
(٢) مَعرفة الرجال، رواية ابنِ مُحْرز (١/ ١٠١ رقم: ٤٤٥).
(٣) فأما الخوارج فبدعتهم أول البدع في الإسلام، وذلك حينَ شقوا عصا الطاعة وخرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. والقدرية، هُم القائلون بنفي القدر، أي: أن الشر من خلق العبْد لا من خلق الله، ومنه من يقول: لا يعلمه الله من المخلوق حتى يفعله. والرافضة: مبْغضو أبي بكر وعُمر وعثمان، أو مكفروهم، والغلاة في علي بن أبي طالب وأهل بيته، والشيعة لقَبٌ يَشملهم، لكن يدْخل فيه: مُجرد تقديم علي على أبي بكر وعُمر دونَ البُغض. والناصبة: من قابلوا الرافضة في بُغض علي وأهْل بيته. والمرجئة: من ذهب إلى أن الإيمان مُجرَّد اعتقادِ القلب وإقرار اللسان، وأنَّ الأعمال ليست من الإيمان، وعليه فهو لا يزيد ولا ينقص، ومنهم من غلا فقال: لا يضرُّ مع الإيمان معصية. والجهمية: أتباع جهم بن صَفوان في نفي صِفات الباري تعالى، واعتقاد خلق القرآن. والواقفة: هم من توقَّف في القرآن حين ظهرت المقالة فيه فقالوا: لا نقول هو مخلوق، ولا غير مخلوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>