للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على ذلك: أنه إنما ينكر الكذب والتحريف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتغيير معنى اللفظ، فإذا سلم راوي الحديث على المعنى من ذلك، كان مخبراً بالمعنى المقصود من اللفظ وصادقاً على الرسول الله صلى الله عليه وسلم " (١).

وابن حزم يعيد ما يكون من اختلاف الألفاظ في بعض الروايات إلى سبب آخر، فيقول: " ليس اختلاف الروايات عيباً في الحديث إذا كان المعنى واحداً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه إذا كان يحدث بحديث، كرره ثلاث مرات، فنقل كل إنسان بحسب ما سمع، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحداً " (٢).

قلت: لكن هذا الاستدلال ضعيف لما يقع من الاختلاف في الرواية المتحدة المخرج عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما هو الشأن في الحديث الذي قصده ابن حزم بهذا التنبيه، فإنه حديث واحد، مخرجه رواية أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ابنه أبو بردة، وعنه بريد بن عبد الله، ووقع في روايات الرواة عنه اختلاف في بعض الألفاظ، فهذا لا يحسن الاستدلال لمثله بمثل ما صنع ابن حزم.

وأحسبه ألجأه إلى ذلك تشديده في منع رواية الحديث بالمعنى أصلاً، فإنه قال: " من حدث وأسند القول إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقصد التبليغ لما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يحل له إلا أن يتحرى الألفاظ كما سمعها، لا يبدل حرفاً مكان آخر، وإن كان معناهما واحداً، ولا يقدم حرفاً ولا يؤخر آخر " (٣).

والمذهب الثاني: التمسك باللفظ

وثبتت الرواية به عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، والقاسم بن محمد، ومحمد بن سيرين، ورجاء بن حيوة، وأبي معمر


(١) الكفاية (ص: ٣٠٣ _ ٣٠٤).
(٢) الإحكام في أصول الأحكام (١/ ١٣٩).
(٣) الإحكام في أصول الأحكام (٢/ ٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>