للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتباعهم، ولم يدركوهم، ولم يبلغهم من أخبارهم في الغالب إلا تلك الأحاديث التي رويت عنهم من طرق الثقات، فحكموا على أولئك النقلة من خلال فحص مروياتهم، فمن سلم حديثه من النكارة وثقوه، أو حكموا عليه بوصف من أوصاف القبول، ومن ثبتت نكارة حديثه جرحوه بما يناسبه بحسب تلك النكارة.

فحديث الراوي كان الطريق إلى تمييز حاله في الرواية.

فإن أردت فهم ذلك منهم فتأمل جرحهم وتعديلهم للنقلة يتضح لك جلياً ما قلت، ومنهج الحافظ ابن عدي في " كامله " شرح لذلك المنهاج.

وأما العدالة في النفس فكانت تجرى على أصل السلامة، كما تقدم، فالراوي إذا لم يأت عنه ما يقدح في عدالته في دينه فهو عدل (١).

الأصل الرابع: من استقرت عدالته، وثبتت في الحديث إمامته، فهذا لا يشتغل في تتبع أمره؛ لم في ذلك من تحصيل ما هو حاصل، وإتعاب النفس بما ليس وراءه طائل.

وهذا مثل الأئمة: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، ولليث بن سعد، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين.


(١) ورُوي عن الوَليد بن مسلم، عن عبد الله بن المبارك تفسير العدْل بمحضر سُفيان الثوري وغيره، قال: " من رضيه أهل العلم فكتبوا عنه حديثه، فهو عدْلٌ جائز الشهادة " فتبسم سُفيان الثوري. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (١/ ١٩٣) وإسناده واهٍ؛ لكونه من رواية شيخ ابنِ عدي الحسن بن عثمان التستري، وهو متهم بالكذب. وهذا إن صحَّ فإنه يُثبت العدالة التي تُجيز الشهادة، فيبقى ذلك التعديل ناقصاً في شأن الرواية، ومُجرَّد كِتابة أهل العلم حديث الراوي لا يدلُّ على ثقته، فإنهم يكتبون حديث الراوي ليَعتبروا به، ويكتبونه ليميِّزوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>