للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال هارون بن سعيد الأيلي: سمعت الشافعي يقول: "ما كتاب بعد كتاب الله تعالى أنفع [للمسلمين] من كتاب مالك بن أنس " (١).

وقال أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح: سمعت الشافعي يقول: " ما أعلم شيئاً بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك " (٢).

قلت: وهذا حكم قبل أن يوجد " الصحيحان "، فإن الناس صنفت الكتب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البخاري ومسلم، فكان " الموطأ " أصح تلك الكتب حديثاً، فهو مقارن بما زامنه إلى عهد الشافعي، فلما ألف " الصحيحان " لم تبق تلك الدعوى صحيحة، خصوصاً وأن مالكاً رحمه الله ضمن كتابه الأحاديث والآثار ورأي نفسه، كما وقع في أسانيد أحاديثه المتصل والمرسل والمنقطع والبلاغات، فلم يجرد للحديث الصحيح المتصل.

نعم، (الموطأ) من كتب الحديث الصحيح، وليس فيه حديث مسند إلا وهو صحيح.

وقد استحق " الصحيحان " التقديم لشدة ما اشترط صاحباهما الإمامان: البخاري ومسلم، ولاجتهادهما في تحقيق شرطهما؛ فإنهما التزما بشروط الحديث الصحيح إلى أقصى حد ممكن، لكن صنيعهما صنيع بشر؛ لذا لم يسلم من مؤاخذات، هي على أحرف يسيرة في " البخاري "، وعلى أحاديث قليلة في " مسلم "، قد ميزت وعرفت.


(١) أخرجه ابن حبان في " المجروحين " (١/ ٤١) وأبو نُعيم في " الحلية " (٩/ ٧٩ رقم: ١٣١٨٢) والجوهري في " مُسند الموطأ " (رقم: ٧٧) والبيهقي في " مناقب الشافعي " (١/ ٥٠٧) والزيادة له، والخطيب في " الجامع " (رقم: ١٥٦٤) وابن عبد البر (١/ ٧٦، ٧٧) وابن عساكر في " كشف المغطى " (رقم: ٢٢) وإسناده صحيح.
(٢) أخرجه البيهقي في " المناقب " (١/ ٥٠٧) وإسناده جيد. ورُوي هذا المعنى الذي قاله الشافعي عن عبد الرحمن بن مَهدي، ولم يثبت عنه. أخرجه ابن حبان في " المجروحين " (١/ ٤٢) .......

<<  <  ج: ص:  >  >>