ولا نزاع في الجملة أن المرسل إذا جاء له ما يعضده يتقوى، كما قال الزيلعي:" المرسل إذا وجد له ما يوافقه فهو حجة باتفاق "(١)، وإنما الخلاف فيما يتقوى به المرسل.
الشرط الرابع: أن يوجد فيه معنى المجبور به إن لم يطابقه في لفظه.
وبيانه: أن اتفاق الشاهد والمشهود له يجب أن يقع إما لفظاً وإما معنى، فأما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فالواجب أن ما يدعى تقويته من هذا الحديث بالآخر يجب أن يكون موجوداً فيهما جميعاً، فإن وجد قدر من الحديث في معنى الآخر، فذلك القدر هو الذي ينجبر لا سائر الحديث، فلا يقال: صار جميعه بذلك حسناً لغيره.
والمعتبر في المعنى في الشواهد هو نفس المعتبر في المعنى في رواية الحديث إذا روي بالمعنى، وهذا يستلزم أن يكون الباحث في درجة الحديث عارفاً بدلالات الألفاظ وما تفيده من المعاني.
ويجب أن تراعي المعاني دون تكلف، فلو جاءك حديثان كلاهما في النهي عن أمر متحد، لكن أحدهما قول للنبي صلى الله عليه وسلم:(لا تفعلوا كذا)، والآخر بلفظ الصحابي:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا)، صح أن يتقوى أحدهما بالآخر مع وجود الفارق بين القول النبوي الصريح وبين حكاية الصحابي بلفظه مقتضى القول النبوي، لكن مراعاة هذا الفارق هنا تكلف، وإنما قد يحتاج إلى مراعاة مثله في مقام تعارض الأدلة لا توافقها، وهنا قد توافق الدليلان، بل لك أن تقول: أفاد مجيء اللفظ النبوي في أحد الحديثين تفسيراً للصفة التي استفاد منها الصحابي النهي.