قلت وكيف لا؟ وكان همهم مَعرفة السُّنن للعمل بها وإرشاد الأمة، فإذا تميز له من التعليل سلامة الرواية عَلِم ما لزم بمُقتضاها، وإن تبين سُقوطها عَلِم سُقوط أثرها، وهذا ما لا يكون بمُجرّد الجَمع والتكثير.
وسيأتي تحريرُ القول في لَقب (الحديث المعلل) في (القِسم الثاني) من هذا الكتاب.
طريقةُ النُّقَّاد فيما يسمَّى (علّة):
اعلم أن أئمة الحديث أطْلقوا لَفْظَ (العلَّة) على ما هو أعم من الخفية في الإسناد الجامع في الظاهر لشروط القبول، فأطلقوا اللفظ على: الظاهرة، والخفية، كما أطلقوه من جهة أخرى على: القادحة، وغير القادحة، على ما سأذكره.
و (العلة الخفية) واردة في تحقيق أهل هذه الصنعة في الإسناد، وواردة في المتن، خلافاً لما شوش به طائفة ممن تعرض لنقد السنة من المعاصرين من المستشرقين ومن تأثر بهم من المسلمين، أن المحدثين اعتنوا بنقد الإسناد دون المتن، فهذا منهم يرجع في خلاصته إلى سببين:
الأول: ضعف معرفتهم بمنهج أهل الحديث، وذلك ظاهر في ضعف استقرائهم.
والثاني: التأثر بطريقة المتأخرين من علماء الحديث، الذين أهمل أكثرهم اعتبار البحث عن العلل الخفية في الأحاديث، بل حكموا بتصحيح الأحاديث الكثيرة التي أعلها المتقدمون، من أجل ما أجروا عليه الحكم من مجرد اعتبار النظر إلى ظاهر الإسناد.
واعلم أن (العلة) في المتن، توجب طعناً في الإسناد ولا بد، حتى وإن كان ظاهر الإسناد السلامة من العلل، فإنه لا بد أن يكون أخطأ فيه راوٍِ، أو دلس، والنقاد يبينون ممن يكون الخطأ والوهم، أو التدليس، من رواة الإسناد الثقات.