للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنه لم يسلم من الوهم أوثق نقلة الحديث، من مثل شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وهؤلاء رءوس الحفاظ.

فأحصيت لشعبة في (علل ابن أبي حاتم) الخطأ في تسعة مواضع، وللثوري في ثلاثة مواضع، وكانا يعتمدان على حفظ الصدر، والثوري أحفظ من شعبة، ولمالك الوهم في اسم بعض رواة الإسناد، ولا يكاد يذكر له وهم في الكتب إلا بَنْدرة، حتى قال في وصفه ابن حجر: " رأس المتقنين، وكبير المتثبِّتين " (١)، والعلة أنه كان يعود حفظه إلى طريقي التوثُّق: الصدر والكتاب.

لكن المقصود أن تعلم أنه لم يسلم أحد من الرواة من وهم وإن ندر (٢).

وفي هذا الباب تبيين هذا الأصل الأصعب تحقيقاً من شروط قبول الحديث، في استعراضه على سبيل الاقتداء والتحرير لمذاهب أهل الصنعة، كخلاصة تتبع طويل، مع التمثيل والتدليل لتقريبه، تأصيلاً لتطبيقه، وتبيين أنه ليس بسحر وكهانة كما خيَّله بعض الناس، بل علمٌ تُدرك مقدماته وتُفهم أسبابه، وتُمكن معرفته.

ولا تهويل فيما قاله الحافظ أبو يعلى الخليلي: " العلة تقع للأحاديث من أنحاء شتَّى لا يمكن حصرها " (٣).

فإنما هذا فيما قصد هو أن ينبه عليه من علوم الحديث، حيث تعرض لها بإيجاز في مقدمة كتابه ... " الإرشاد "، ولم يَكن ذلك محلاُّ لتتبع أسباب التعليل للأحاديث، وإلاَّ فإنَّ من دَرَسَ طريقة القَوم يتبين أن العلل في الأحاديث عنْدهم تَعود إلى أسباب مَفهومةٍ مُدْرَكة، يُمكن حصْرها وفَهمها، بل وتطبيقها.


(١) تقريب التهذيب (الترجمة: ٦٤٢٥).
(٢) وانظر ما تقدم في صدْر (المبحث الرابع) من (تفسير الجرح).
(٣) الإرشاد (١/ ١٦٠ _ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>