فهذا مما رواه كل منهم بسياق غبر سياق الآخر، لكن اتفقوا فيه على المعنى، فكانت قرينة على المفارقة، كذلك معلوم أن الثلاثة من التابعين تفاوتوا تفواتاً بيناً في تباعد الطبقات، فقيس من كبار التابعين كاد أن يكون صحابياً، أدرك وروى عمن لم يدركه عامر وإبراهيم، إذ عامر من أوساط التابعين، وإبراهيم له شرف التابعية وأكثر روايته عن أصحاب ابن مسعود وعلي، وهذا التفاوت بين الثلاثة مفارقة أخرى (١).
[مناقشة قول الشافعي فيما يتقوى به المرسل]
قال الشافعي: " من شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين، فحدث حديثاً منقطعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور:
منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة من قبل عنه وحفظه.
وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده، قبل ما ينفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر:
هل يوافقه مرسل غيره ممن قُبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم؟
فإن وجد ذلك كانت دلالة يقوى له مرسله، وهي أضعف من الأولى.
وإن لم يوجد ذلك، نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً له، فإن وجد يوافق ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت هذه دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل يصح إن شاء الله.
(١) خرَّجت الحديث في كتابي " أحكام العورات "، وذكرْتُ فيه أنَّ إسحاق بن راهويه ممن احتجَّ به.