هل انتهى الزمن الذي يمكن فيه تمييز العلل الخفية للأحاديث؟.
كذا قد يخيل لبعض الناس، وذلك لما رأوا في المتأخرين من ضعف المعرفة بهذا العلم، لكن إدراك أن الحاجة إليه لا زالت قائمة , يوجب أن يكون في الأمة من يفهمه، ولو عجز عنه أهل زمان فلا يعني تعذره، بل الواجب تحصيله كسائر علوم الاجتهاد، فهذا علم قام على اجتهاد النقاد، وباب الاجتهاد لا يحل لأحد غلقه، وبقاء الحاجة علة بقائه، والحاجة لمعرفة الصحيح من السقيم من الحديث لم تنته، ونقد السنن المروية لم يزل.
وإذا كان يجب على الأمة أن توجد من بينها من يجتهد لها في دينها، ليميز لها الحلال من الحرام، وعلة ذلك بقاء الحوادث، أو للترجيح في الخلاف، فالسنن المروية لم يزل كثير منها مما يجتهد فيه أهل الحديث، وأكثره مما يحتاج فيه إلى الترجيح في الخلاف، فوجب أن يوجد فيها من يميز الصحيح من السقيم، ولا سبيل إليه إلا بتمييز علل الحديث.
والحق أن في المتأخرين طائفة من الأئِمة تعرضوا لنقد الأحاديث بالعلل الخفية، وإن لم يكثر ذلك منهم بالنظر إلى تعرضهم له، أو بالمقارنة بكلامهم في العلل الظاهرة، منهم: الخطيب البغدادي، وابن عبد البرِّ المالكي، وأبو طاهر السلفي، وابن القطان الفاسي، وتقي الدين ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية، وابن كثير الدمشقي، وابن رجب الحنبلي، وأبو الفضل العراقي، وابن حجر العسقلاني، ومحمد ناصر الدين الألباني.
والمتعرضون من أهل هذا الزمان لهذا العلم كثير، لكن الشأن في أغلبهم على حد قول القائل:
أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل