ونقل ابن حجر عن الفقيه صدر الدين ابن المرحل قوله:" إن في النفس من هذا الاستثناء غصة؛ لأنها دعوى لا دليل عليها، ولا سيما أنا وجدنا كثيراً من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس رواتها "(١).
قلت: وهذا كله إنما نتج من إجراء أحاديث الصحيحين على قول الشافعي، واعتبار ظاهر المصطلحات، وقد علمت أن منهج الشيخين وكبار أهل التحقيق قبلهما وبعيدهما قبول الحديث المعنعن لموصوف بالتدليس على معنى غير قادح، على ما تقدم بيانه.
تنبيه:
التهمة للثقة بالتدليس دون دليل من قبيل الجرح المبهم، فيعتبر لقبوله ما يعتبر لقبول الجرح.
تسليم وصف الراوي بالثقة موجب لقبول ما يخبر به، لا يستثنى من خبره إلا ما قام دليل على رده، ولا يقبل فيه الجرح إلا أن يكون مفسراً.
ومن هذا الجرح بوصف الراوي بالتدليس، فإن إثباته في حق راو معين يجب أن يكون ببرهان، فإذا وقع من إمام من أئمة الجرح والتعديل أن أطلق كون فلان مدلساً، فهذا لا عبرة به حتى يثبت أنه دلس، فإن ثبت في خبر معين رد ذلك بما تبين من تدليسه فيه إن كان دلسه من غير ثقة.
وإنما يستثنى منه من كان التدليس شعاراً له، حتى كثُر فأحدث الريبة في جميع ما يقول فيه (عن)، فهذا يرد حديثه المعنعن من أجل الريبة الغالبة لا من أجل التدليس، فإن العنعنة بمجردها لا توجبه.