كذلك يستفاد من المذهب الرابع أيضاً قبول حديث من ذكر بالتدليس، غير أنه كان يدلس ثقة معروفاً.
والحديث إذا ثبت تدليس الراوي فيه فهو منقطع ضعيف.
وإن لم يثبت، ولكنه كان محتملاً، من أجل ما اشتهر به بالراوي وعرف عنه، وكان تدليسه عن غير الثقات، فهذا يحكم على ما عنعنه عن شيخه بالضعف؛ من أجل مظنة التدليس، ما لم ينف أثرها متابعة أو شاهد.
وإن كان ممن عرف بتدليس التسوية فإنه لا يقبل حديثه حتى يحفظ السماع فيمن فوقه إلى أن يبلغ الصحابي؛ لأن محذور تدليسه محتمل في أي موضع عنعنة.
لكن يستثنى من هذا الصورة الأخيرة أن يكون سائر الإسناد سلسلة معروفة، كمالك عن نافع عن ابن عمر، فلو أن من يدلس التسوية روى عن مالك حديثاً فقال:(حدثنا)، ثم ذكره بالعنعنة بين مالك ونافع، وبين نافع وابن عمر، لم يضره ذلك؛ لأنها سلسلة قد عرف اتصالها.
واعلم أن بعض العلماء التزموا مذهب الشافعي، وهو الذي جرى عليه عمل المنتسبين إلى هذا العلم من المتأخرين، خصوصاً من أهل زماننا، فلما وجدوا أحاديث لجماعة من الموصوفين بالتدليس مخرجة في " الصحيحين " بالعنعنة، لا يوقف في شيء من طرقها على ذكر السماع، تحيروا في الجواب، إذ مقتضى أصلهم رد مثل تلك الأحاديث.
قال ابن حجر:" في الصحيحين جملة كثيرة من أحاديث المدلسين بالعنعنة "(١).
فأجابت طائفة بأجوبة ضعيفة عن ذلك تحسيناً للظن بالشيخين، وهذا مما لا يصلح في العلم.