للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما في الشرع، فالمعتبر في العدالة بعد الإسلام: هو السلوك الظاهر من الراوي، مما عرف معه أنه على استقامةٍ.

والإنسان يذكر بالخير أو بالشر بحسب ما يبدو منه، والسرائر موكولة إلى الله، فليس اعتبارها والبحث عنها مطلوباً لإثبات العدالة.

وقد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: " إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمنَّاه وقرَّبناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال: إن سريرته حسنة " (١).

والحد المعتبر في السلوك الظاهر: أن لا يوقف منه على مفسق في دينه.

ولا يصلح عد الصغائر مفسقات، من أجل انتفاء العصمة منها، فإن الله تعالى قال عن عباده في مقام الثناء عليهم: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: ٣٢].

وقد قال ابن عباس: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه " (٢).

قلت: فهذا دليل على أن الصغائر لا ينفك عنها عموم البشر، وهي


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في " الصحيح " (رقم: ٢٤٩٨) و " خلق أفعال العباد " (رقم: ٤١٦) والبيهقي في " الكبرى " (٨/ ٢٠١) والخطيب في " الكفاية " (ص: ١٣٦) من طريق شُعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، أخبرني حُميد بن عبد الرحمن، أن عبد الله بن عُتبة بن مسعود قال: سمعت عمر، به.
(٢) متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: ٥٨٨٩، ٦٢٣٨) ومسلم (رقم: ٢٦٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>