لكن في المتأخرين من لا يراعي ذلك، وكأنه كان يكتفي بتحقق الشروط الثلاثة الأولى فيحكم بصحة الإسناد وحسنه، فترى بعض ما يحكمون عليه بذلك لا يسلم من علة قادحة، كما وقع ذلك في صنيع الحاكم النيسابوري، وكثر مثله بعد الذهبي فالعراقي فابن حجر، وفي زماننا صار هذا النمط لا يحصى كثرة، فيحتاج قبول كثير من تلك الأحكام إلى احتياط شديد.
[المسألة الرابعة: قولهم في الحديث: (رجاله ثقات) هل يعني الصحة؟]
الجواب: ليست هذه العبارة حكماً من قائلها بصحة الحديث ولا حسنه.
وبين ابن القيم خطأ الحكم بصحة الحديث بناء على مجرد ثقة رواته، وذلك من وجهين، قال:
" أحدهما: أن ثقة الراوي شرط من شروط الصحة، وجزء من المقتضي لها، فلا يلزم من مجرد توثيقه الحكم بصحة الحديث.
يوضحه أن ثقة الراوي هي كونه صادقاً لا يتعمد الكذب، ولا يستحل تدليس ما يعلم أنه كذب باطل.
وهذا أحد الأوصاف المعتبرة في قبول قول الراوي.
لكن بقي وصف الضبط والتحفظ، بحيث لا يعرف بالتغفيل وكثرة الغلط.
ثانيهما: أن لا يشذ عن الناس، فيروي ما يخالفه فيه من هو أوثق منه وأكبر، أو يروي ما لا يتابع عليه وليس ممن يحتمل ذلك منه، كالزهري، وعمرو بن دينار، وسعيد بن المسيب، ومالك، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، ونحوهم، فإن الناس إنما احتملوا تفرد أمثال هؤلاء الأئمة بما لا يتابعون عليه؛ للمحل الذي أحلهم الله به من الإمامة والإتقان والضبط.