الشيوخ مما يعسر تحققه في الواقع إلا على سبيل الظن الغالب؛ لأن احتمال أن يكون مرجع المرسلين إلى أصل واحد باق وإن تغايرا في الشيوخ، فلا ينفك مثلاً سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير من الرواية عن شيخ من الصحابة، لكن حيث إن محل اتفاقهما يغلب أن يكون فيمن يسقط ذكره من الصحابة، فإن مظنة التلقي لذلك الحديث عن واسطة مجروحة تصبح في غاية الضعف.
فيتجه ما ذكره الشافعي في هذا، لغلبة مظنة التغاير في الواسطة، أو لغلبة أن تكون هي الصحابي، ولا يضر عود الحديث إليه من طريقيه وإن كان واحداً؛ إذ ليس الصحابي محلاً للضعف.
وأما التقوية بما جاء عن الصحابة موافقاً له، فإن الصحابي قد يقول الشيء بمجرد رأيه، ويكون المرسل بلغه ذلك القول عن الصحابي فظنه حديثاً فأرسله، وهذا قد يدفع أثره قليلاً كون المرسل من الثقات الحفاظ كسعيد بن المسيب، فيكون الشافعي قد اعتبر وفاق رأي الصحابي علامة على أن لرأيه أصلاً من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .......
وهذا أمر يجب تحريره في نماذج حقيقية جاءت على هذه الصفة، فإن من قال من أهل الفقه والأصول بصحة الاحتجاج بمذهب الصحابي، كان هذا مما اعتمدوا عليه، أن الصحابي لا يمكن أن يقول بالشيء دون أصل، لكن هذا الظن الحسن لا يصلح أن يكون مستنداً في تصحيح نسبه قول إلى النبي صلى الله عليه وسلم نقصت فيه بعض صفات القبول، ولم يأت له من درجته ما يشده، إنما يقع به تعضيد الحكم المستفاد من ذلك الحديث، وقد لا يبلغ بتلك القوة الثبوت.
والتقوية بموافقة قول الفقهاء أضعف من التقوية بالموقوف (١).
(١) وانظر معنى هذا النقد في كلام ابن رجب في " شرح علل الترمذي " (١/ ٣٠٥).