(٢) أخرجه الخطيب في " تاريخه " (١/ ٢٣٠) وإسناده جيد. قلت: وقد عابَ ابنُ حزم على من ذهب هذا المذهب في الرجال، فقال: " مما غلطَ فيه بعْضُ أصْحاب الحديث أن قال: فلانٌ يُحتمل في الرقائق، ولا يُحتمل في الأحكام "، قال: " وهذا باطل؛ لأنه تقسيم فاسدٌ لا برْهان عليه، بل البرهان يُبطله، وذلك أنه لا يخلو كلُّ أحد في الأرض من أن يكون فاسقاً أو غير فاسق، فإن كان غير فاسق كان عدْلاً، ولا سبيل إلى مرْتبةٍ ثالثة، فالعدل ينْقسم إلى قسميْن: فقيه، وغير فقيه، فالفقيه العدْل مقبولٌ في كل شيء، والفاسق لا يُحتمل في شيء، والعدْل غير الحافظ لا تُقبل نذارته خاصة في شيء من الأشياء؛ لأنَّ شرْط القبول الذي نصَّ الله تعالى عليه ليس موجوداً فيه، ومنْ كان عدْلاً في بعْض نقْله فهو عدْلٌ في سائره، ومن المحالِ أن يجوز قبول بعض خبره ولا يجوز قبول سائره، إلا بنصٍّ من الله تعالى، أو إجماع في التفريق بين ذلك، وإلا فهو تحكُّم بلا برْهانٍ، وقوْلٌ بلا علم، وذلك لا يحلُّ ". (الإحكام في أصول الأحكام ١/ ١٤٣).
قلت: وهذا استدْراك ضعيف، فإنَّ الحفْظ يتفاوت، والخطأ فيه واردٌ، والواقع مثْبتٌ أن الراوي يعتني بحديث بعْض شيوخه فيكون له مُتقناً، دون حديثه عن غيرهم، فلا يأتي بالحديث على وجهه، وهذا مُتميزٌ في عدد من الرواة، فإن رددْنا جميع حديثه، أنْكرنا ما هو صحيح محفوظ منه مما أمكننا معرفته وتمييزه، وإن قبلْنا جميع حديثه، قبلْنا منه الخطأ وما لم يحْفظه من الحديث، كذلك هنا جهةُ التفريق حاصلةٌ فيما يرويه الراوي الصدوق الذي لم يرْق صدْقه إلى درجةِ الاحتجاج؛ لسوءِ حفظه، يروي ما له أصْلٌ معروف من الأحكام من غير طريقه، ولا يأتي في حديثه إلا بترغيب أو ترهيب مثلاً، فهذا لا يثْبت بما نقله شريعةٌ، وإنما قصد من ذهب إلى التسهيل فيه أن الرقائق لا يُطلب فيها التشديد لعدم إضافتها إلى الدين ما ليس منه.