الراوي:" ثقة " لا يفصلون الأسباب التي استوجبت الحكم بثقته؛ لأنهم رأوا هذا الوصف مفيد للتزكية التي تكفي لقبول روايته، ولو ذهب الناقد إلى ذكر أسباب التزكية لطال ذلك ولا ضرورة له.
وجانب التزكية ليس موضع حذر من جهة التوسع في استعمال الألفاظ والإطناب في ذكر أسبابها، وإنما الحذر في ألفاظ الجرح، فإنها قوادح، فترى النقاد اجتهدوا في استعمال الوصف المفيد بكلمة أو كلمتين كون هذا الراوي أهلاً للرواية أو ليس كذلك.
والذي نرجع له سبب ذلك، أنهم حيث بانت اصطلاحاتهم بألفاظهم، فقد أغنت شهرة الاصطلاح عن الإسهاب في ذكر أسباب الجرح، فكانت الزيادة في تلك الألفاظ لا مبرر لها، فتخرج عن حد الاستثناء من الغيبة.
وهذا الاحتياط منهم رحمهم الله أحوج من بعدهم إلى البحث عن مرادهم بكثير من تلك العبارات، خصوصاً عندما يختلفون في راو جرحاً وتعديلاً، كما سيأتي تفصيله.
فإذا لاحظت هذا من طريقتهم علمت مقدار ما كانوا يتصفون به من الورع في الدين، وأنهم لولا الذَّبُّ عن حماه لما تقحموا الكلام في أحد.
ولعسر هذا المقام ومشقته قال الإمام أبو الفتح ابن دقيق العيد:" أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون، والحكام "(١).
كما أن هذا الجانب لا يتم إلا بأن يكون الناقد أهلاً للنقد، فليس كل أحد يحسن الكلام في النقلة.