للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحرير القول في دلالة هذين الحديثين:

أجاب الرامهرمزي بقوله: " قوله: (فأداها كما سمعها) فالمراد منه حكمها لا لفظها، لأن اللفظ غير معتبر به، ويدلك على أن المراد من الخطاب حكمه قوله: (فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) " (١).

وأقول: كذلك فإن هذا في حق من لم يكن بفقيه، فهو إذا روى بالمعنى فربما حرف فيه، وشرط جواز الرواية بالمعنى: أن يكون عالما ً بما رواه بالمعنى.

ثم إن هذا الحديث نفسه قد نقله الناقلون الثقات فاختلفوا في لفظه، واتفقوا في معناه، فذلك في نفسه دليل على صحة الرواية بالمعنى، ومبطل للاستدلال به على منع ذلك بإطلاق (٢).

وأما رده عليه السلام الرجل من قوله: (برسولك) إلى قوله: (وبنبيك)، فإن النبي أمدح، ولكل نعت من هذين النعتين موضع، ألا ترى أن اسم الرسول يقع على الكافة، واسم النبي لا يستحقه إلا الأنبياء عليهم السلام؟ وإنما فضل المرسلون من الأنبياء؛ لأنهم جمعوا النبوة والرسالة جميعاً، فلما قال: (وبنبيك الذي أرسلت) جاء بالنعت الأمدح، وقيده بالرسالة بقوله: (الذي أرسلت). وبيان آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو المعلم للرجل الدعاء، وإنما القول في اتباع اللفظ إذا كان المتكلم حاكياً لكلام


(١) هذا السياق الذي علَّق عليه الرامهرمزي للحديث، جاءَ من رواية أبي الحويْرث عبْد الرحمن بن معاوية، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " نضر الله امرأً سمع مقالتي، فحفظها، فأداها كما سمعها، فرُب حامل فِقه إلى من هو أفقه منه، وربَّ حاملِ فقه غيرُ فقيه ". أخرجه البزار (٨/ ٣٤٢ رقم: ٣٤١٦) وإسناده حسن. وهو مُخرَّجٌ في غير موضعٍ نحوه، كما رواه كذلك غيرُ أبي الحويرث عن مُحمد بن جبير.
(٢) وانظر: الكفاية، للخطيب (ص: ٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>