للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكتابة عنهم بقصد تمييز حديثهم، منهج جرى عليه عامة النقاد، يكتب أحدهم أحاديث المجروحين ويعتني بجمعها كما يعتني بأحاديث الثقات، وذلك لما يوجبه تحرير حال النقلة من تمييز محفوظ حديثهم من غيره (١)، أو لمصلحة الاعتبار به إذا كان المجروح ممن يصلح حديثه لذلك، وليس هذا من قبيل ما يذم ويؤخذ على الراوي فعله في الرواية عن الضعفاء.

قال يحيى بن معين: " كتبنا عن الكذابين، وسجرنا به التنور، فأخرجنا به خبزاً نضيجاً " (٢).

وقال أبو بكر الأثرم: رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء في زاوية وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنها موضوعة، فلو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه! فقال: " رحمك الله يا أبا عبد الله، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة؛ حتى لا يجيء بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتاً، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقوله له: كذبت، إنما هي عن أبان لا عن ثابت " (٣).

فهذا فيه كتابة أحاديث من لا يعتبر به أصلاً، وإنما يقايس بحديثه لكشف الكذب والكذابين.

ومثال الكتابة للاعتبار، قول أحمد بن حنبل في (عبد الله بن لهيعة):


(١) قال الحاكم في " المدخل إلى كتاب الإكليل " (ص: ٣١): " وللأئمة في ذلك غرضٌ ظاهر، وهو أن يعرفوا الحديث: من أين مخرجه، والمنفرد به: عدلٌ أو مجروحٌ ".
(٢) أخرجه ابن حبان في " المجروحين " (١/ ٥٦) والحاكم في " المدخل إلى كتاب الإكليل " (ص ٣٢) والخطيب في " تاريخه " (١٤/ ١٨٤) بإسناد صحيح.
(٣) أخرجه ابن حبان في " المجروحين " (١/ ٣١ _ ٣٢) والحاكم في " المدخل إلى كتاب الإكليل " (ص ٣٢) والخطيب في " الجامع " (رقم: ١٥٨٠) بإسناد صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>