للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمتى تواتر الخبر عن قوم هذه سبيلهم، قطع على صدقه، وأوجب وقوع العلم ضرورة " (١).

قلت: وهو يقابل: (حديث الآحاد) الآتي.

واعلم أنه ليس لأقل عدد التواتر حد منضبط، وإنما يراعي فيه التعدد فوق الشهرة، مع قرائن تنضم إلى التعدد تمنع الاتفاق على الخطأ والوهم فضلاً عن الكذب، وعلامته مع تعدد الطرق: حصول العلم الذي يتعذر دفعه للمطلع عليه العارف به.

والتواتر في الأحاديث النبوية هو من باب (التواتر النظري) لا من باب (التواتر الضروري)؛ لأن معرفته موقوفة على جميع طرق الحديث ورواياته، فهو مبني على البحث والنظر، والعلم به غير حاصل ضرورة كتواتر نقل القرآن المستغني عن الأسانيد والطرق.

لذا فالتواتر بالحديث لا يُستغنى فيه بمجرد تعدد الأسانيد عن ثبوت أفرادها؛ فمن الأحاديث ما تعددت أسانيده وكثرت، لكنها واهية لا يثبت منها شيء.

وهذا المعنى أغفله أكثر من تعرض لهذا الموضوع، خصوصا أن أكثر من تكلم في التواتر هم الأصوليون، وهؤلاء تكلموا في التواتر الضروري، كتواتر القرآن، ومن ثم عدَّاه طائفة إلى الحديث، وأغفل هؤلاء أن نقل القرآن ليس كنقل الحديث، فلا يستويان، فتواتر القرآن أغنى في صحته عن البحث في الإسناد، بخلاف تواتر الحديث، فإن عمدته على الإسناد، ويكفيك دليلا على ضعف القول باستغناء الحديث المتواتر عن الإسناد ما تنازعوه في قدر ما يُدَّعى فيه التواتر، فإن موجب التسليم لصحته دون مناقشةٍ على طريقة أهل الأصول، فكيف يصحُّ التنازع بعدُ في شيءٍ من ذلك: هو متواتر أو غير متواتر.


(١) الكفاية (ص: ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>