وتارة تكون الغفلة طبعاً فيه، وتارة عارضة لعدم الاعتناء بالمحفوظ، وتأثير عوارض أخرى عليه، كالاشتغال بالعبادة دون العلم، أو ترك بثه في أهله، أو الانشغال بالدنيا، أو تقدم السن، أو لغير ذلك.
وكثير من ذلك في المنسوبين للصلاح والتعبد، حتى ربما حدثوا بالموضوع والكذب، يجري على ألسنتهم دون تعمد، وربما كان أحدهم سمع بعض الحديث، فيحمل إسناد هذا على حديث هذا، وحديث هذا على إسناد هذا، ويحدث على التوهم عن الرجل بما ليس من حديثه، وربما ألصق كلاماً حسناً بإسناد معروف، ليس ذلك الإسناد من ذلك الكلام في شيء، وربما أدخل عليه ما ليس من حديثه وهو لا يعلم فيحدث به على أنه من حديثه، وهكذا.
لذا كان أبو الزناد عبد الله بن ذكوان يقول:" أدركت بالمدينة مئة، كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال: ليس من أهله "(١).
وكذلك قال مالك بن أنس:" لقد أدركت في هذا البلد _ يعني المدينة _ مشيخة، لهم فضل وصلاح وعبادة، يحدثون، ما سمعت من أحد منهم حديثاً قط "، قيل له: ولم يا أبا عبد الله؟ قال:" لم يكونوا يعرفون ما يحدثون ".
وعن حماد بن زيد: أن فرقداً (يعني السبخي) ذكر عند أيوب (يعني السختياني)، فقال:" لم يكن صاحب حديث، وكان متقشفاً، لا يقيد علماً، ذاك لون، والبصر بالعلم لون آخر ".
(١) هذا الأثر والآثار الثلاثة التالية كلُّها صحيحة، تقدم تخريجها في (المبحث الرابع) من مباحث (التعديل) عند بيان (معنى الضبط).