للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، فلما فرغ كلموه أن يحدثهم، فأخذ الكتاب فجعل يقرأ، حتى انتهى إلى حديث فمر فيه فقرأه قال: فنظر بعضهم إلى بعض، ثم قرأ حتى انتهى إلى الثالث، فانتبه الشيخ واستضحكوا، قال: فقال لهم: إن كنتم أردتم شيني فعل الله بكم وفعل (١).

وهل إطلاق العبارة على الراوي بقبول التلقين يسلم قادحاً فيه؟

يقع قبول التلقين للراوي إما بسبب الغفلة، أو التساهل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فمن عرف عنه ذلك من الرواة، فلا يخلو من أن تكون هذه البلية عرضت عليه بعد حفظ وإتقان، أو لم يعرف أصلاً بالحفظ، فإن كان من النوع الأول وتميز حديثه الذي كان يحفظ من حديثه الذي لقن فيه، قبل ما حفظه ورد ما لقن فيه، وإن لم يتميز رد جميع حديثه، وأما من لزمه هذا الوصف ولم يعرف بضبط أصلاً فكل حديثه مردود من طريقه.

فقبول التلقين قد يصير الرجل متروك الحديث ليس بثقة، وذلك إذا تلقن الحديث الموضوع وحدث به، كما وقع لمثل (محمد بن معاوية النيسابوري)، قال أبو زرعة الرازي: " كان شيخاً صالحاً، إلا أنه كلما لقن يلقن، وكلما قيل: إن هذا من حديثك، حدث به، يجيئه الرجل فيقول: هذا من حديث معلى الرازي، وكنت أنت معه، فيحدث بها على التوهم ".

قلت: فأضر ذلك به حتى قال أحمد بن حنبل: "رأيت أحاديثه أحاديث موضوعة "، بل اتهمه يحيى بن معين فقال: " كذاب " (٢).

كما قد يكون في حديثه ما يدل على رواية المنكر، وكان قبول التلقين من أسباب ذلك، مثل ما حكى ابن حبان عن عفان بن مسلم قال: كنت أسمع الناس يذكرون قيساً (يعني ابن الربيع) فلم أدر ما علته، فلما قدمنا


(١) أخرجه العُقيلي في " الضعفاء " (٣/ ٤٠٢) بإسناد صحيح، ونقله المزي في " تهذيب الكَمال " (٢٠/ ٩٧).
(٢) الجرح والتعديل (٤/ ١ / ١٠٣ _ ١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>