للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالصواب من القول: أن هذه العبارة من الشافعي لا ترتفع من شأن ذلك الراوي، بل أمره باق على الجهالة، وكأن قوله: " أخبرنا الثقة " بمنزلة قوله: " أخبرنا رجل ".

ومالك بن أنس أعرف بالحديث ورجاله من الشافعي، واستعمل هذه الصيغة في مواضع من " الموطأ "، وكذلك اجتهد بعض العلماء لتمييز المراد (١)، وليس في ذلك شيء يقطع به، إلا أن يراد الحديث ذاته من طريق أخرى صحيحة إلى مالك يصرح فيها باسم ذلك المبهم.

ومن أمثلة قول الراوي الثقة الذي لا يعد فيمن يعتمد قوله في الرجال: قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي: " حدثني من لا أتهم "، فإنه جاء بأخبار كثيرة في السير يرويها بمثل هذه الصيغة، ومعروف أن ابن إسحاق يروي عن المجهولين والمتروكين (٢)، وليس معدوداً فيمن يميز المتقنين من النقلة من غيرهم، وإذا كنا لم نعتد بمثل ذلك القول من الشافعي، فكيف يغني شيئاً من مثل ابن إسحاق؟ ‍‍‍‍!

والقول بترك الاعتماد على مثل هذا التعديل المبهم هو الذي رجحه الخطيب من أئمة الحديث (٣) وأبو بكر الصيرفي من أئمة الأصول، وذلك خلافاً لإمام الحرمين ومن تبعه (٤).

الأصل الرابع: قول الناقد في الراوي: " لا أعرفه ".

وقع استعمال هذا اللفظ بمعنى: " مجهول " في كلام كثير من نقاد


(١) انظر: الجرح والتعديل، ترجمة (مَخرمة بن بكَير) (٤/ ١ / ٣٦٣)، وتعجيل المنفعة (٢/ ٦٢٥).
(٢) وفسَّر مرةً قوله: " حدثنا من لا أتهم " بأنه عنى الحسن بن عُمارة، وهوَ متروك، (انظر: الروْضً الأنف، للسهلي ٦/ ٤٣).
(٣) الكفاية (ص: ٥٣١).
(٤) جامع التحصيل، للعلائي (ص: ٩٥، ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>