منزلٌ، وليعْلم أحدكم أنّه مسؤولٌ عن دينه وعن أخذه حلّه وحرامه ".
نعم، لا حرج أن تستعين الطَّائفتين ببعضهما، فـ"ربَّ حامل فقه غير فقيه، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه "، لكن أن يستقلَّ كلٌّ بنفسه فيأخذ بالنَّصيبيْن وهو لا يفهم اختصاص الآخر، فهذا من الجِناية على العلم.
والكامل من وفقه الله ليضْرب بنصيب هؤلاء وأولئك، وهو الواجب فيمن يكون للنَّاس إماماً.
وعلوم الحديث علوم آلة تستعمل للكشف عن السُّنن الصَّحيحة المرويَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نقْل كثير اختلط فيه الغثُّ بالسَّمين، وألَّف فيه من المؤلفات ما يعْسُرُ عدُّه.
وهذه العلوم بدأت في أول أمرها علوماً تطبيقيّة غير مؤصّلة تأصيلاً نظرياً من أجل تقريبها وفهْمها، وتيسير استعمالها، بل دفعت ضرورة تمييز السُّنن الصّحيحة من غير أئمة الأمة في الصدر الأول إلى الاجتهاد بما هدتْ إليه العقول من أجل التحقق من صحة النقل، حتى نما ذلك مع نموِّ الأسانيد وكثرتها، إذ كلَّما بعُد الزمان عن زمن التّلقيّ وهو عهد النُّبوة، فإن الأسانيد تطول، وطولها موجبٌ الزِّيادة في التحري، فصار هذا العلم إلى التَّقنين؛ تلبيةً لما أوْجبته الحاجةُ، على ما سيأتي بيانه في موضعه.
وجرى النّاس من بعْدُ على صياغة قواعد هذه العلوم كما صنعوا في التأصيل لسائر علوم الآلات، كالعربيّة، وأصول الفقه، واستمرّ عند المحقّقين في هذا العلم التَّحرير والتَّقريب والتَّيسير، إلى زماننا، وأكثر العناية فيه كانت في مُصطلحاته، حتى غلب على هذه العلوم تسمية (مصطلح الحديث).