للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ما سواه، ووجدْنا في صنيع بَعْض أعيان أئمة الصحابة من استعمل هذا المنهج في نقد الروايات.

وذلك مثل: ما صحَّ عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حين حدثت فاطمة بنْت قيسٍ بقصتها في سُكنى المطلقة:

فعن أبي إسحاق السبيعي، عن الشعبي، عن فاطمة بنْت قيس، قالت: طلقني زوجي، فأردت النُّقلة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " انْتقلي إلى بيت ابن عمك عمْرو بن أم مكتوم، فاعتدَّي فيه ". فحصبه (١) الأسود، وقال ويْلك، لم تُفتي بمثل هذا؟ قال عمر: إن جئت بشاهدين يشهدان أنهما سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا لم نترك كتاب الله لقول امرأة: {لا تُخرجوهنَّ من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة بينة} [الطلاق: ١] (٢).


(١) هذا من قوْل أبي إسحاق، والأسود هو ابن يزيد النخعي، حَصبَ عامراً الشعبي حين حدَّث بهذا.
(٢) حديث صحيح.
أخرجه بهذا السياق النسائي في " الكبرى " (رقم: ٥٧٤٣) وأبو عوانة (رقم: ٤٦١٧) من طريق الأحوص بن جوَّاب، قال: حدثنا عمار بن رُزيق، عن أبي إسحاق، به. وإسناده جيد.
وتابع الأحوص عليه: قبيصَة بن عقبة، عند أبي عوانة (رقم: ٤٦١٨) والدارقطني (٣٤/ ٢٦) مثله.
ويحيى بن آدم عند الدارقطني أيضاً وأبي نُعيم (رقم: ٣٥٠٤) بنحوه.
كذلك تابعهم: أبو أحمد الزُّبيري، عند مسلم في " صحيحه " (٢/ ١١١٨ _ ١١١٩) وأبي داود (رقم: ٢٢٩١) وأبي عوانة (رقم: ٤٦١٥، ٤٦١٦) والطحاوي في (شرح المعاني) (٣/ ٦٧) والدارقطني (٤/ ٢٥) وأبي نعيم (رقم ٣٥٠٤) والبيهقي في " الكبرى " (٧/ ٤٧٥)، وفي لفظه: " لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة ".

لكنَّ ذكرَ (السنة) أعله الدارقطني، من أجل تفرُّد أبي أحمد الزبيري دون سائر من رواه، غير أني وجدت في سياق رواية يحيى بن آدم عند أبي نعيم في " المستخرج " ما يُوافقها.
وانظر تعليل الدارقطني في: " السُّنن " (٤/ ٢٦) و " العلل " (٢/ ١٤١).
كما رواه سُليمان بن معاذ الضبي عن أبي إسحاق، بنحو رواية الأحوص، دون ذكر (السنة)، أخرجه أبو نعيم (رقم: ٣٥٠٥)، لكن سُليمان هذا لين الحديث.
وحسِبَ بعْض الناس أن سبب رد عمرَ رواية فاطمة من أجل كونها امرأة، وليس كذلك، فقد قبل عمر وغيره روايات النساء كعائشة وغيرها، ولا معنى للتعليل بكونها امرأة، وإنما حين عرض ما روت على القرآن، قامت عنْده الشبْهة في قبول رواية تأتي في ظاهرها على خلاف عموم دلالة القرآن، لذا قال في رواية أبي أحمد: " لا ندري لعلها حَفظت أو نسيت "، وطلب على قولها شاهدين، وهذا قد فعل عمر نظيره في رواية بعضِ الرجال من الصحابة، كأبي موسى الأشعري في قصة الإستئذان.

<<  <  ج: ص:  >  >>