للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن عمل الأئمة بهذا الأصل قول الشافعي وقد استدل بالمحفوظ من السنة أن لا يقطع الصلاة شيء: " فإن قال قائل: فقد روي أن مرور الكلب والحمار يفسد صلاة المصلي إذا مرا بين يديه. قيل: لا يجوز إذا روي حديث واحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقطع الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار " (١) وكان مخالفاً لهذا الأحاديث، فكان كل واحد منها أثبت منه، ومعها ظاهر القرآن، أن يترك إن كان ثابتاً، إلا بأن يكون منسوخاً، ونحن لا نعلم المنسوخ حتى نعلم الآخر، ولسنا نعلم الآخر، أو يرد ما يكون غير محفوظ ".

قال: " وهو عندنا غير محفوظ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعائشة بينه وبين القبلة (٢)، وصلى وهو حامل أمامة، يضعها في السجود ويرفعها في القيام (٣)، ولو كان ذلك يقطع صلاته لم يفعل واحداً من الأمرين، وصلى إلى غير سترة (٤)، وكل واحد من هذين الحديثين يرد ذلك الحديث؛ لأنه حديث واحد، وإن أخذت فيه أشياء.

فإن قيل: فما يدل عليه كتاب الله من هذا؟ قيل: قضاء الله أن {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الإسراء: ١٥]، والله أعلم: أنه لا يبطل عمل رجل


(١) أخرجه مسلم في " صحيحه " (رقم: ٥١٠) من حديث أبي ذر الغِفاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قام أحدكم يُصلي فإنه يَستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مِثل آخرة الرحل فإنه يَقطع صلاته الحمار، والمرأة، والكلب الأسود "، قال عبد الله بن الصامت راويه عن أبي ذر: قلت: يا أبا ذر، ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: " الكلب الأسْود شيْطان ".
وله شاهد عند مسلم كذلك من حديث أبي هريرة.
(٢) سيأتي ذكره وتخريجه.
(٣) مُتفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: ٤٩٤، ٥٦٥٠) ومسلم (رقم: ٥٤٣) من حديث أبي قتادة الأنصاري.
(٤) فيه عن عبد الله بن عباس، وأخيه الفَضل، والمطلب بن أبي وداعة، والحسن بن علي، وحديث ابن عباس فيها صحيح، بيّنتُ الجميع في الحلقة الأولى من كتاب " الأجوبة المرْضية " (ص: ٢٢ _ ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>