للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبش أملح، فينادى مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة}، وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا، {وهم لا يؤمنون} [مريم: ٣٩] (١).

قال أبو بكر ابن العربي: " استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل؛ لأن الموت عرض، والعرض لا ينقلب جسما، فكيف يذبح؟ فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث ودفعته، وتأولته طائفة، فقالوا هذا تمثيل، ولا ذبح هناك حقيقة، وقالت طائفة: بل الذبح على حقيقته، والمذبوح متولي الموت، وكلهم يعرفه؛ لأنه الذي تولى قبض أرواحهم " (٢).

قلت: والذي ألجأ إلى ظن مخالفة صريح العقل قياس الغيب على الشهادة، وأمر الآخرة غيب، وقص علينا ربنا تبارك وتعالى من شأنه، وكذلك نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا يأتي على القياس، ولا تتصوره العقول، والله تعالى يخلق ما يشاء، ويحيل ما يشاء إلى ما يشاء، وليس في قدرته مستحيل والوقف عند النص هو اللائق هنا دون التأويل.

وهكذا في جميع ما تظن بعض العقول أنه لا يأتي على مقاييسها من أخبار الثقات المتقنين، فإن بابه كباب هذا الحديث، أو يكون وجهه خفي على مدعي معارضته للعقول.


(١) متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: ٤٤٥٣) ومسلم (رقم: ٢٨٤٩).
(٢) نقله ابنُ حجر في " فتح الباري " (١١/ ٤٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>