للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعور علامة على علة في الرواية، توجب عليه بحثاً عن محل الغلط منها حتى يقف عليه.

وليس المقصود أن ينصب الناقد هواه ومزاجه مجرداً لقبول الحديث أو رده، فإن الرأي يخطئ مهما اعتدل وراقب صاحبه ربه، والهوى لا تعصم منه نفس.

ومما وجدته يصلح لهذا مثالاً، حديث بقي في القلب منه غصة زماناً، حتى اطمأنت النفس لعلته، وهو حديث أبي سعيد الخدري: أن رجلاً أتى بابنة له إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تزوج، قال: فقال لها: " أطيعي أباك "، قال: فقالت: لا، حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته، فرددت عليه مقالتها، قال: فقال: " حق الزوج على زوجته أن لو كان به قرحة فلحستها، أو انتثر منخراه صديداً أو دماً ثم لحسته ما أدت حقه "، قال: فقالت: والذي بعثك بالحق، لا أتزوج أبداً، قال: فقال: " لا تنكحوهن إلا بإذنهن ".

قلت: فهذا الحديث فيما ذكر فيه من وصف حق الزوج على الزوجة بهذه الألفاظ المنفرة المستنكرة، ليس في شيء من المعهود في سنة أعف خلق الله صلى الله عليه وسلم، والذي أوتي الحكمة وفصل الخطاب وجوامع الكلم، وقد فصل الله في كتابه ونبيه ذو الخلق العظيم صلى الله عليه وسلم في سنته الحقوق بين الزوجين بأجمع العبارات وأحسن الكلمات، كلها من باب قول ربنا عز وجل: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: ٢٢٨].

وأما علة الحديث فما هي مجرد النفرة من صيغة تلك العبارات، وإنما روى هذا الحديث جعفر بن عون، قال: حدثني ربيعة بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن نهار العبدي، عن أبي سعيد، به (١).


(١) أخرجه ابنُ أبي شيبة (٤/ ٣٠٣) والنسائي في " الكبرى " (رقم: ٥٣٨٦) والبزار (رقم: ١٤٦٥) _ كشف الأستار) وابن حبان (٩/ ٤٧٢ رقم: ٤١٦٤) والدارقطني (٣/ ٢٣٧) والحاكم (٢/ ١٨٨ _ ١٨٩ رقم: ٢٧٦٧) والبيهقي في " الكبرى " (٧/ ٢٩١) من طرق عن جعفر بن عون، به، واللفظ لابن أبي شيبة والبزار.

<<  <  ج: ص:  >  >>