الثقات الضابطون، وفيهم من يهم قليلاً، ومن يهم كثيراً، ومن يغلب على حديثه الوهم، لكنه لا يكاد يخرج حديث هذا الصنف على قلته إلا ويبين ذلك.
والترمذي غير متساهل في التحقيق، خلافاً لما أطلقه بعض متأخري العلماء، وجرى عليه بعض المنتسبين إلى هذا العلم من أهل زماننا.
والعلة عند هؤلاء ما لخصه ابن القيم بقوله:" الترمذي يصحح أحاديث لم يتابعه غيره على تصحيحها، بل يصحح ما يضعفه غيره أو ينكره، فإنه صحح حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف " وبين كلام الأئمة في شدة ضعفه، وقال:" ويصحح أيضاً حديث محمد بن إسحاق، وهو أعذر من تصحيحه حديث كثير هذا، ويصحح أيضاً للحجاج بن أرطأة مع اشتهار ضعفه، ويصحح حديث عمرو بن شعيب، وأحسن كل الإحسان في ذلك، والمقصود أنه يصحح ما لا يصححه غيره وما يخالف في تصحيحه "(١).
قلت: وهذا يقابله أنه يعلل أحاديث يصححها غيره.
والوجه في ذلك كله أنه إمام مجتهد في هذه الصنعة كغيره من أئمة هذا الشأن، واختلاف الأئمة في التصحيح والتضعيف لحديث هو من نفس باب اختلافهم في التعديل والتخريج لراو، فاحتمال هذا احتمال لذاك.
والترمذي جرى في هذا العلم على خطى شيخه البخاري في منهاجه، كما أظهر ذلك جلياً في كتابه، نعم، كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
والأئمة بعد الترمذي لم يزالوا يعتمدون تصحيحه للحديث أو تحسينه له، حتى يتبين خطأ قوله فيه، وهذا هو الأليق بخريج مدرسة البخاري والدارمي وأبي زرعة الرازي.