والعلة في هذا الفارق: أن راوي الحديث الحسن إنما قصر عن درجة من يحتج به ابتداء حتى ينظر في روايته، من أجل ما نخشى من خطئه ووهمه، وذلك لما أوردته شبهة خطئه في بعض ما روى، أو قصور درجته في الحفظ عن درجة المتقنين لعدم الشهرة بالعلم والاعتناء به.
وإذا كان هذا ظاهراً في الأحكام، فمن الخطأ البين القول بصحة بناه اعتقاد على (حديث حسن) جرى الحكم بحسنه على ظواهر قواعد المتأخرين في تعريفهم للحسن، دون استقصاء قدر الموافقة للمحفوظ المعروف، أو المخالفة، أو التفرد.
وإذا تحققت هذه المسألة لم تجد لأهل الإسلام عقيدة لم يأت فيها إلا حديث حسن، بل إنك لا تجد عقيدة يقصر العلم بها على حديث صحيح فرد، فإن العقائد أبلغ من الأحكام وآكد، والديانة بها أخطر، فمن أجل ذلك لا يصح تصور أن يكون الشيء منها لم يرد فيه إلا خبر واحد فرد، لا يعلم له أصل من وجه آخر.
نعم، قد تجد في تفاريع بعض ما يتصل بالاعتقاد ما لم يرد فيه إلا الحديث الواحد الصحيح أو الحسن، لكن أصله محفوظ معروف، كتفاصيل سؤال القبر والشفاعة وصفة الميزان يوم القيامة، فإنك لا تجدها إلا مؤيدة لأصل معلوم من دين الإسلام: جاء به الكتاب، أو الصحيح المقطوع به من السنة، والجهل بتلك التفاريع أو عدم اعتقاد ثبوتها لا يقدح في دين الإنسان، ولعذر صاحبها بالتأويل مساغ، بخلاف الإيمان بأصولها في الجملة.
وتقدم أن بعض الحفاظ أدرجوا (الحسن) تحت مسمى (الصحيح) تغليباً، كما وقع الشيء منه في " الصحيحين "، وكما هو صنيع ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما ".
والتمييز بينهما في الإطلاق أدق، إذ فيه إبقاء للإشعار بطريق الوصول