قوله تعالى:" أحلت لكم بهيمة الأنعام " وفى سورة الحج: "وأحلت لكم الأنعام "، للسائل أن يسأل عن وجه ما ورد فى الآيتين مع اجتماعهما فى التعريف بحلية هذا الضرب من الحيوان البهيمى مفصحا فيهما بتقرير حكم التحليل بالماضى وهو قوله "أحلت لكم " ثم خصت آية المائدة بزيادة لفظ "بهيمة " ولم يرد ذلك فى آية الحج فيسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عنه والله أعلم: أن المقصود فى الآيتين مختلف فوردت الألفاظ بما يحرز ذلك وبيانه أن اسم الأنعام إنما يقع على ما ذكر فى آية سورة الأنعام من الأزواج الثمانية حين تفسرت مفصلة فقال تعالى: "ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين " ثم قال تعالى: "ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين " وهى أصناف أربعة الإبل والبقر والضأن والمعز تفصلت بحسب التذكير والتأنيث إلى ثمانية والحمولة منها ما أطاق الحمل على ظهره وهى الإبل والفرش ما سواها وقيل غير هذا وقال تعالى: "وإن لكم فى الأنعام لعبرة نسقيكم مما فى بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين " وإنما اللبن المراد هنا المنعم به علينا لبن الأنعام وهى الأزواج الثمانية أما لبن الوحشى غير الإنسى فلم يقصد هنا وان كان حلالا لتعذر إدراكه وليس هو المراد فى الأنعام وان جاز إطلاق اسم الأنعام على الوحشى مجازا لجامع سنذكره بعد.
قال الهروى: الأنعام المواشى من الإبل والبقر والغنم وإذا وضح أن الأنعام هى الأزواج الثمانية فمن المعلوم أن غيرها من الوحشى الذى لا يدرك إلا بالصيد محرم على الحاج ما دام فى عمله قال تعالى: "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " ولما كانت آية سورة الحج مناطة بما أمر به الحاج فى قوله: "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق " والأمر بتعظيم تلك الحرمات والشعائر الإيمانية فى قوله تعالى: "ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه " وصل بها ما يحل أكل لحمه للمحرم حال إحرامه فقال تعالى: "وأحلت لكم الأنعام " ولم يكن ليلائم هذا الموضع ما ورد فى آية المائدة من قوله تعالى: