الرِّزْقَ) (العنكبوت: ١٧)، ثم ضرب سبحانه مثلا لما عبد من دونه فقال:(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(العنكبوت: ٤١)، ثم أنس عباده المؤمنين بقوله:(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)(العنكبوت: ٥٦)، ثم قال:(وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(العنكبوت: ٦٠) فأخبر سبحانه أنه المنفرد برزق الكل كما انفرد بخلقهم، فناسب هذا قوله تعالى:(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ)(العنكبوت: ٦٢)، فخص بعد أن عم بقوله:(االلَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ)(العنكبوت: ٦٠) تشريفاً للمؤمنين ليستأنسوا بما يجري لهم من الضربين ويذكروه في حال القبض والبسط بالإضافة إضافة تشريف، ولما لم يتقدم في السور الأخرى مثل ما تقدم هنا بل فيها ما يفهم منه أن المؤمنين لم يقصد تخصيصهم بذلك الخطاب بوجه، ألا ترى قوله في (آية) الرعد: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(الرعد: ٢٦)، وليس (هذا) من شأن المؤمن، فإن الدنيا سجنه وإنما فرحه بربه وبما يرجوه منه في آخرته. وأما آية القصص (فمنصوص) فيها أن الذين تمنوا حال قارون ومكانه هم القائلون: (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ)(القصص: ٨٢)، فإنما قالوه عالمين بأن الله سبحانه بسط (لقارون ما بسط) فعلموا أنه القابض والباسط وأنه لايمنع عن أحد ما بسط له. وأما آية الشورى فقد تقدمها ما هو أبين (شيء) في تعميم المؤمن والكافر وذلك قوله تعالى: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(الشورى: ١٢)، (فإذا كانت له مقاليد السماوات والأرض) فمن أين يُرزق المؤمن والكافر؟ ليس إلا من عنده، فلم يقصد في هذه الآية تخصيص المؤمن وتشريفه كما قصد في تلك، فلما اختلف القصد اختلف الوارد، فجاءت كل آية على ما يجب، ولا يمكن خلافه، والله أعلم.
الآية السادسة من سورة الرعد: غ - قوله تعالى:(فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ)(الرعد: ٣٢)، وفي سورة الحج:(فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ)(الحج: ٤٤) للسائل أن يسأل عن وجه تعقيب الأولى بقوله: (فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) والثانية بقوله: (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ) مع تساوي الآيتين (في) مقصود الوعيد لمكذبي الرسل، عليهم السلام؟
والجواب، والله أعلم: أن العقاب أشد موقعاً من النكيير لأن الإنكار يقع على ما لا عقاب فيه بالفعل وعلى ما فيه العقاب بالفعل، وأما مسمى العقاب فإنما يراد به في الغالب